"الإعلام" القاتل

السيد زهره

ليس جديداً القول إننا نعيش عصراً إعلامياً غريباً، سمته الأساسية الفوضى والانفلات بكل المعاني السياسية والوطنية، والمهنية طبعاً.

دخلنا هذا العصر مع الانترنت وثورته، وأيضا القنوات الفضائية وثورتها.

مشكلة هذا الإعلام الجديد أنه إعلام بلا ضابط ولا رابط ولا حسيب أو رقيب. أي أحد يستطيع أن ينشئ له موقعاً على الانترنت، أو يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، أو المنتديات الموجودة، ليكتب ما يشاء، ويورد أي معلومات عن أي شيء بلا مصدر أو دليل يؤكد صحتها.. وهكذا.

العالم كله يعاني من هذا الإعلام. لكن كان لنا نحن في الدول العربية النصيب الأكبر من مصائب هذا الإعلام وكوارثه.

البحرين مثلاً عانت أشد المعاناة، وما زالت، مما تعرضت له من حملات تضليل وتزوير للوقائع والحقائق، ومن تشويه، ومن تحريض للعالم عليها بناء على هذا التضليل والتزوير والتشويه.

مصر أيضاً عانت ولا تزال حتى الآن، من نفس الظاهرة. وأغلب الدول العربية في الحقيقة تعاني من هذا الإعلام المنفلت المضلل.

ومع ذلك، فإعلام التضليل والتزوير والتشويه هذا ليس أخطر ما في الإعلام الجديد. ففي نهاية المطاف، يمكن مواجهة هذا الإعلام بإعلام مضاد يقدم الحقائق ويفند الأكاذيب ويكشفها.

أصبحنا نواجه ظاهرة جديدة، هي ظاهرة "الإعلام القاتل" بالمعنى الحرفي للكلمة. هذا إذا كان من الممكن أن نعتبره إعلاماً أصلاً.

بـ"الإعلام القاتل" نعني تلك المواقع الإلكترونية وصفحات الانترنت التي تحرض مباشرة على العنف والإرهاب، وما هو أبعد من التحريض بكثير جداً.

سبق أن نبهنا قبل فترة طويلة في هذا المكان على هذه الظاهرة الخطيرة في البحرين.

شهدنا في البحرين صفحات على الانترنت تنشر توجيهات وتعليمات مصورة لكيفية صنع قنابل المولوتوف.

وشهدنا مواقع تنشر أسماء رجال شرطة وبياناتهم الشخصية وعناوين إقامتهم، مما يعتبر بالطبع دعوة صريحة إلى استهدافهم.

وشهدنا في ذروة الأحداث صفحات تنشر أرقام سيارات مدنية في مناطق معينة ومواصفاتها وتزعم أن هذه سيارات لرجال أمن.

بالطبع، هذا ليس إعلاماً. هذه جرائم تحريض مباشر على القتل.

نفس هذه الظاهرة التي شهدتها البحرين تشهدها مصر بحذافيرها في الفترة القليلة الماضية.

ظهرت صفحات تابعة لجماعة الإخوان الإرهابية على مواقع التواصل الاجتماعي تنشر أسماء وصور وعناوين ضباط وجنود شرطة وبياناتهم الشخصية وتدعو إلى تصفيتهم.

وظهرت صفحات لأفراد في الجماعة أيضاً تنشر فيديوهات لتعليم طريقة صنع القنابل اليدوية وقنابل المولوتوف.

وظهرت صفحات للإخوان تشرح كيفية حرق سيارات الشرطة ومنشآت الشرطة والمنشآت العامة.

كما نرى، سواء ما حدث في البحرين أو ما يحدث في مصر، على هذه الصفحات والمواقع الإلكترونية، هذه جرائم كبرى بحق المجتمع والدولة، لا علاقة لها بالإعلام الحق إلا لكونها تستغل مجالا إعلاميا مفتوحا ومتاحا أمام الجميع.

السؤال هو: كيف يجب التعامل مع هذه الجرائم التي ترتكب عبر هذه المواقع؟

بشكل عام، حتى الآن رغم كثرة المؤتمرات والأبحاث الإعلامية والمنظمات الإعلامية، لا أحد يعرف بالضبط كيف يجب التعامل مع فوضى الإعلام الجديد وتجاوزاته وما قد يمارسه من تضليل وتزوير وتشويه. لا أحد يعرف بالضبط كيف يمكن الحفاظ على حريات الإعلام وعدم الإضرار في الوقت نفسه بالمصالح الوطنية وبأمن الدول والمجتمعات.

لكن الأمر مختلف مع هذه الجرائم.

هذه جرائم لا يجوز التعامل معها في إطار مفاهيم حريات الإعلام، أو حقوق الرد الإعلامي وما شابه ذلك من المفاهيم. يجب التعامل معها على أنها جرائم تحريض على العنف والإرهاب وشروع في قتل بالمعنى الحرفي للكلمة.

الدول الغربية، وخصوصاً في أمريكا وبريطانيا، لا يوجد أي تسامح على الإطلاق مع أي استغلال لصفحات التواصل والمواقع الإلكترونية للتحريض على العنف. وفي حالات كثيرة، حين رصدت السلطات المسئولة أي تحريض على العنف، ولو بشكل غير مباشر، وليس بالأشكال التي أشرنا إليها، لم تتردد السلطات في القبض على الأفراد الذين فعلوا ذلك وتقديمهم لمحاكمات عاجلة أصدرت بحقهم أحكاماً قاسية بالسجن، حتى لو كانوا صبية صغاراً.

ولهذا، تصرفت السلطات المصرية بشكل جيد، حين تحركت سريعاً، وحددت عناصر الإخوان الذين يقفون وراء هذه الصفحات التي تحرض على القتل وترتكب هذه الجرائم، وألقت القبض عليهم وحولتهم إلى سلطات التحقيق. بالإضافة طبعاً إلى الإغلاق الفوري لهذه المواقع والصفحات.

للأسف، وخصوصاً حين يتعلق الأمر بدولنا العربية، أصبحت حريات الإعلام وضرورات احترامها، سيفاً مسلطاً على رقاب الدول العربية من جانب دول ومنظمات أجنبية، والهدف إجبارها على الصمت عن جرائم ترتكب بحق دولنا باسم حريات الإعلام.

لكن الصمت أو التردد في حالات مثل هذه التي أشرنا إليها، يصبح في حد ذاته جريمة كبرى. صمت السلطات المسئولة أو تسامحها مع هذه الجرائم، يمكن أن يتسبب في أن يفقد أبرياء أرواحهم، ويقود إلى تشجيع الإرهاب والفوضى.

2/2/2014