منتدى الشارقة الدولي للاتصال الحكومي (3)

الحكومات والشعوب: التواصل في عالم إعلامي معقد

بقلم: السيد زهره

من أكبر القضايا التي كان لابد ان تحظى باهتمام واسع في نقاشات (المنتدى الدولي للاتصال الحكومي) في الشارقة، قضية التطورات المعقدة المتسارعة في عالم الإعلام بصفة عامة، وخصوصاً فيما يتعلق بشبكات ووسائل التواصل الاجتماعي والناشطين فيها، والتي اصبحت تلعب دوراً متعاظماً.

اسئلة كثيرة كانت مطروحة في هذا الشأن، منها ما يتعلق بتقييم هذا الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي هذه والدور الذي تلعبه سلباً أو إيجاباً. ومنها ما يتعلق بكيف يجب أن تتعامل الحكومات في تواصلها المفترض مع الشعوب، مع هذا الواقع الإعلامي الجديد المعقد.

إحدى جلسات المنتدى ناقشت القضية بشكل مباشر.

وفي المنتدى ألقى عدد من الإعلاميين والمسئولين والخبراء كلمات تطرقت في جانب أساسي منها إلى هذه القضية في جوانبها المختلفة.

سنتوقف عند أهم ما طرح من أفكار وأثير من قضايا بهذا الشأن.

***

مشكلة شبكات التواصل

إحدى جلسات المنتدى كانت بعنوان (العلاقة بين الاتصال الحكومي والناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي)، وقد ناقش من خلالها المتحدثون مدى نجاح الحكومات في الاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعي في عملية الربط مع الجمهور للاستماع لهم وإيصال رسائلها إليهم، وحول دور وسائل التواصل الاجتماعي عموماً. وتحدث في الجلسة كل من (جون دوشنسكي)، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لمؤسسة (ذا كونفيرزيشن فارم)، والدكتور سليمان الهتلان الرئيس التنفيذي لشركة (الهتلان ميديا)، وفادي سالم مدير (الحوكمة والابتكار) في كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، والإعلامية بروين حبيب من مؤسسة دبي للإعلام وأدار الجلسة الإعلامية زينة اليازجي من قناة "سكاي نيوز عربية".

(جون دوشنسكي) قال في البداية إن وسائل التواصل الاجتماعي هي وسيلة وليست غاية بحد ذاتها، فالمهم والذي ينبغي أن نركز عليه هو ما يتم تناقله من خلال هذه الوسائل، وكذلك إدراك ما يمكن أن يقدمه لنا هذا النقاش من فائدة لمجتمعاتنا. وأشار إلى الجانب الايجابي المهم في وسائل التواصل من زاوية انه في السابق كانت وسائل الإعلام تملي علينا وجهات نظر من جهة واحدة ولم تكن المناقشة متاحة بسبب عدم توفر منابر لذلك، أما اليوم فقد أصبح الجمهور أكثر قوة وسلطة على حياته من خلال التواصل الدائم بين أفراد المجتمع.

واعتبر أن وسائل التواصل هذه قامت بتوفير منبر للحوار والنقاش المفتوح بين الحكومات والجمهور. وأشاد بتجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في تعزيز دور مواقع التواصل الاجتماعي في الوصول إلى احتياجات الجمهور، والذي يعتبر مثالاً حياً على الاستخدام الرشيد لوسائل التقنية الحديثة ومنها وسائل التواصل الاجتماعي

وأشاد الهتلان أيضا بتجرية الامارات في استثمارها لوسائل التواصل الاجتماعي لخدمة المجتمع، واعتبر انها مثال استثنائي في المنطقة.

وأضاف الهتلان: "إن ما يهم المواطن هو التنمية، والذي يعتبر المشكلة الرئيسية في العالم العربي، ولذلك أدعو المؤسسات الحكومية للتواصل مع الجمهور من خلال أدوات التواصل الاجتماعي كي تتعرف على مخاوفهم ومطالبهم وأن تسعى لتحقيقها".

فادي سالم نوّه بالدور الإيجابي لوسائل التواصل وقال: "إذا نظرنا إلى موقع العالم العربي قبل انتشار التواصل الاجتماعي في العالم العربي، نرى أنه كان هناك فقر في عملية تناقل المعلومات بين الناس، حيث كان التناقل هرمياً من الحكومات إلى المواطن. هذا التقييد لم يعد موجوداً اليوم، حيث أصبح لدينا كتلة حرجة من المستخدمين التي وجدت فرصة لتناقل المعلومات يفوق عددهم 65 مليونا، تبلغ نسبة الشباب منهم 70%. وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة من الحالات القليلة التي استخدمت مواقع التواصل الاجتماعي لتحسين الخدمات المقدمة للمواطن".

وقالت بروين حبيب من مؤسسة دبي للإعلام: "في السابق كان هناك بعض المخاوف من كون التلفزيون سوف يؤثر سلباً على المجتمع وأنه يكون سبباً في تخريب عملية التواصل الاجتماعي بين الناس، واليوم تتهم وسائل التواصل الاجتماعي بالتهم ذاتها، لكن وكما أثبت التلفزيون أن له الكثير من الجوانب الإيجابية، فلوسائل التواصل الاجتماعي كذلك جوانب إيجابية عديدة".

***

تجربة الشارقة الرائدة

كما ذكرت في البداية، عدد من الاعلاميين والمسئولين والخبراء ألقوا كلمات في المنتدى طرحوا فيها افكارا عدة تتعلق بالإعلام الجديد وكيف تعامل الحكومات معه.

كان في مقدمة هؤلاء أسامة سمرة مدير مركز الشارقة الإعلامي، الذي تطرق إلى التحديات التي اصبح يفرضها الواقع الاعلامي الجديد على الإعلام، وتحدث بشيء من التفصيل عن تجربة إمارة الشارقة في التعامل مع الإعلام والتواصل الحكومي، والتي تعتبر نموذجاً ناجحاً رائداً في المنطقة.

تحدث سمرة في البداية عن التطورات الاخيرة في العالم التي اظهرت القيمة الاستراتيجية التي يضيفها الاتصال الحكومي إلى مسار البلدان والقدرة التي يمكن أن يحملها التواصل الإيجابي والفعال لحل الكثير من المسائل الشائكة.

وأوضح: "لقد سجلت نسبة متصفحي الانترنت عبر الهواتف الذكية ارتفاعا بنسبة 60,3% خلال السنتين الأخيرتين، بحسب دراسة مؤشر (غلوبال ويب)، مما يعني أن عملية الوصول إلى المعلومة وسهولة تناقلها وحتى تشويهها أو تضخيمها بات دافعاً للعمل أكثر، والتفاعل أكثر مع الجمهور من أجل المحافظة أو تحسين صورة البلاد وضمان خير تواصل مع الجمهور مهما تعددت وتنوعت فئاته.

وتحدث سمرة عن دور مركز الشارقة الإعلامي في تعزيز فكر وأداء الاتصال الحكومي في إمارة الشارقة حيث قال: "لقد أخذنا على عاتقنا في مركز الشارقة الإعلامي، وبتوجيهات واضحة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مهمة النهوض بقطاع الاتصال الحكومي في الإمارة، وما هذا المنتدى إلا واحد من المبادرات الكثيرة التي نملكها في هذا المجال. وأشار إلى أن جائزة الاتصال الحكومي لعبت دورا في تعزيز التنافس بين الدوائر الحكومية لتوثيق نشاطها، ومشاركة إنجازاتها، وبالتالي التنافس حول أفضل أداء".

وأضاف سمرة: "إن المنتدى الدولي للاتصال الحكومي سيستثمر نجاحاته وشبكة علاقاته الدولية وكافة نقاشاته ودراساته وتوصياته ليتحول إلى كيان متكامل ونشاط متواصل يمتد على مدار العام من خلال مجموعة من الفعاليات".

***

الإعلام بين الحكومات والشعوب

الإعلامية المصرية منى الشاذلي تحدثت في كلمتها في البداية عن "علاقة الارتياب بين الصحافة والحكومة والافتراض المتبادل المسبق بسوء النية وكأنه يأتي بالفطرةط وقالت ان هذا الارتياب يدفعنا اليوم، وخاصة في ظل الأحداث السياسية في المنطقة العربية، إلى العمل عبر هذا المنتدى للتوصل إلى نمط علاقة جديد بين الحكومة والإعلام.

وأضافت: "لقد أكدت تجربة السنوات الماضية في كل القارات إلى أن التواصل بين الحكومة وشعبها يجب أن يكون محاولة لتحقيق سعادة ورضا الناس، حيث أصبح هذه الهدف بمثابة مسألة أمن قومي تحفزها عدد من المنظمات العالمية كالأمم المتحدة، التي توصلت عبر مسح أجرته عالميا أن النرويج والدنمارك كانت الدول الأكثر سعادة بينما كانت أفريقيا الوسطى الأكثر تعاسة وأنا سعيدة لوجود دولة عربية وهي الإمارات في المرتبة السادسة عشرة عالمياً والأولى عربياً في رضا وسعادة الناس".

وأوضحت: "يعتمد رضا وسعادة الناس ليس على الدخل فحسب بل على قناعتهم بغياب الفساد وإحساسهم بالدعم الاجتماعي وتوفر حرية للتعبير عن آرائهم. ويجب على الكل وأعني بالكل (السياسيين، والإعلام، والحكومة) العمل معا للوصول إلى الحد الأدنى من الرضا ويجب تدعيم جسر التواصل بين الحاكم والمحكوم، رضا الناس يجب أن يكون هدفنا أولاً ودائماً".

من جانبها القت (كاثلين كارول)، رئيس التحرير التنفيذي ونائب الرئيس الأول لوكالة "أسوشيتد برس"، كلمة في المنتدى تساءلت فيها عن الدور المتبقي للصحافة الحرة فيما يتعلق بالتواصل مع الحكومة والشعب.

وقالت: "تمثل وسائل الإعلام المواطنين في إيصال آرائهم وأسئلتهم للحكومات خاصة فيما يتعلق بالقضايا المحلية كالصحة والخدمات والتعليم، وهي اليوم جزء من الحقوق المكتوبة في بعض الدول كالهند والمكسيك ضمن قانون المعلومات العامة، لكن لا يكفي وجود القوانين إذا لم يتم تطبيقها على أرض الواقع. لقد عملنا في وكالة "الأسوشيتد برس" على دراسة 105 دول ممن لديهم سجلات مفتوحة للتواصل والرد على استفسارات المواطنين، لكن للأسف بالرغم من وجود هذه السجلات لاحظنا عدم توفر الإجابة أو ربطها دائما بالأمن القومي وقضايا تمس أمن واستقرار الدولة".

وأضافت (كارول): "بالرغم من أن الجدل حول ما هو سر حكومي وأمن قومي وما هو معلومة عامة يظل قائما حول العالم وفي كافة الدول، إلا أننا وبشكل عام يجب أن نكافح لإبقاء المعلومات في يد الجميع، وأن نركز على الشفافية في التواصل والتي ستعزز من الثقة لدى كل الأطراف المعنية". (نيك جاوينج)، المذيع في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" تحدث عن "تجارب حكومية في الفضاء الجديد للمعلومات العامة".

(جاوينج) أشار إلى الصعوبات الكامنة في التأقلم مع الفضاء الجديد للمعلومات العامة، حيث قال: "إن ما كان يمكن أن يحدث في غضون 5 أو 10 سنوات في الماضي، يحدث الآن في 5 أو 10 أيام. اليوم، على الحكومات أن تعترف بأن الأحداث يتم تناقلها لحظة حدوثها من خلال منصات اجتماعية مثل تويتر، ولم يعد بإمكان الحكومات السيطرة على الفضاء الإعلامي، وهذا هو واقع هام لا يمكن تجاهله". واعتبر ان معظم الحكومات ببساطة غير مؤهلة لمواجهة تداعيات ما يمكن أن يحدث. فلم يعد الأمر مرهوناً بوسائل الإعلام التقليدية، ولكن بفضاء الإعلام الاجتماعي الذي يحمله الجميع في جيوبهم. لقد بات الفضاء الإعلامي هو الجهاز العصبي للعالم الذي اختلقناه.

وقال ان الحكومات قد تمتلك حساب فيسبوك وتويتر، لكنه ليس حلا عميقا لقضية ما، بل العكس. إن التكنولوجيا تهدد الحكومات ويجب وضع تدابير مضادة على وجه السرعة. والمشكلة هي أن الوقت يعمل ضد الحكومات في فضاء الاتصالات الديناميكي الجديد هذا واكثر من هذا فان معظم الأشخاص في مواقع السلطة والمسؤولية لا يدركون تماما أنهم يخوضون سباق الإعلام الاجتماعي، ومعركة في المصداقية بشكل مباشر، وأنهم لا يملكون القدرة على التحكم بها.

***

نحو تواصل حكومي فعال

اختتم المنتدى الدولي للاتصال الحكومي دورته الثالثة بجلسة اطلق عليها «عصف ذهني» أدارها الإعلامي السعودي داوود الشريان تحت عنوان (نحو تواصل حكومي فعال).

الشريان شن هجوماً عنيفاً على الإعلام الحكومي في دول الخليج العربية. وقال: "لقد أصبح لدى المواطن العربي شك نتيجة عدم وصول المعلومات من الحكومة إليه بشكل سلس وواضح، إن اللغة الإنشائية المستخدمة في الأخبار الحكومية تبعثر المعلومات في المحتوى، وأعتقد أن لغة التواصل بين الحكومة والناس ضعيفة ويجب على إدارات الاتصال الحكومي عدم تبني إعلام مترهل وضرورة تطوير المحتوى ليتناسب مع مجمل مستويات الشعب على الصعيد الثقافي، ويجب أن نتذكر دائماً بأن الدول التي ليس لديها معلومة تلجأ دائماً إلى الدعاية".

وأضاف الشريان: "إن الإعلام الحكومي في بعض الدول لم يعد يفرق بين الحكومة والشعب في الدول الأخرى، لقد جرت وحدات الاتصال الحكومي في بعض الدول وسائل الإعلام حتى الخاصة منها إلى معتركات لا جدوى منها ولا داعي لها بسبب سوء التخطيط وضعف الأداء والفهم العميق لخصوصية هذا الشعب أو ذاك".

ولاحظ الشريان عن حق أن الإعلام الحكومي في دول لخليج العربية عاجز عن أن يقدم الصورة الحقيقية للتنمية وللإنجازات التي تتحقق بالفعل في دول الخليج.

والنقطة الأساسية التي أثارها أنه طالب بأن ترفع الحكومات يدها نهائياً عن الإعلام وبإغلاق وسائل الإعلام الحكومية.

وقد علقت على هذه النقطة وأبديت اعتراضي على ما طالب به الشريان. قلت أنه إذا كان الإعلام الحكومي مقصراً وله بالفعل الكثير جداً من السلبيات، لكن ما هو البديل لتخلي الدولة نهائياً عن الإعلام وإغلاق وسائل الإعلام الحكومية؟

وقلت أن مصيبتنا الكبرى اليوم هي مع الإعلام الخاص الذي من المفروض أن يكون إعلاماً مستقلاً. فكثير من مؤسسات وأجهزة الإعلام الخاصة هذه أصبحت تلعب أدواراً تخريبية لدولنا ومجتمعاتنا. فبعضها مخترق من جهات أجنبية وينفذ أجندات أجنبية تستهدف دولنا. وبعضها يحرض صراحة على الفتنة الطائفية وعلى العنف.

وقلت إن الذي نحتاج إليه هو تطوير الإعلام الحكومي من جانب. والبحث عن طرق لترشيد وضبط الإعلام الخاص من جانب آخر.

واختتم الشريان حواره مطالباً المسؤولين في الدول الخليجية بالانفتاح على الإعلام وحضور البرامج واللقاءات الإعلامية كون ذلك سيصب في مصلحة الجهة التي يمثلها، موضحاً بأن في حضوره لتلك اللقاءات امتياز في حال أن الوضع كان جيداً لمؤسسته وفي أحوال أخرى سيسهم ذلك التعاون في تخفيف حدة الشحن ضد مؤسسته لو كان هناك أمر عالق بينها وبين عموم الجمهور. كما أن حضور المسؤول سيعني بالضرورة وجود تجاوب حقيقي بين الأجهزة الحكومية والإعلامية والجمهور على حد سواء.

3/3/2014