عن "السيسي فوبيا"

السيد زهره

"السيسي فوبيا" تعبير بدأ يظهر في الفترة القليلة الماضية في بعض الكتابات الغربية.

مقصود بذلك، ظاهرة باتت ملامحها ملموسة بالفعل. ظاهرة حالة الخوف والهلع والرعب التي تنتاب دوائر الإدارة الأمريكية، ودولا غربية أخرى، من المشير عبد الفتاح السيسي قائد الجيش المصري، ومن ترشحه للرئاسة في مصر.

سبق لي أن كتبت في هذا المكان تحت عنوان (لا يريدون عبد الناصر آخر)، عن بعض العوامل التي تفسر خوف أمريكا والغرب من ترشح السيسي للرئاسة.

لكن من المهم جداً أن نتأمل ظاهرة "السيسي فوبيا" الجديدة هذه، وما وراءها، وما تكشف عنه.

ذلك أن وجود ظاهرة كهذه، تفضح أمريكا والدول الغربية، وتكشف عن حقيقة النوايا الشريرة، ليس تجاه مصر وحدها، وانما تجاه كل الدول العربية.

"السيسي فوبيا" تتجسد بداية في كتابات في أمريكا والغرب، وأيضاً في تصريحات لمسئولين، ينتقدون فيها المشير السيسي، ويحذرون مما يعتبرون أنها أخطار أو مخاطر على مصر إذا أصبح رئيساً.

الملفت هنا، وهو ليس أمراً غريباً عليهم، أن الذين يفصحون عن هذه الانتقادات والمحاذير يلجأون كالعادة، إلى دعاواهم التي مللنا منها إلى أقصى حد حول (الديمقراطية) وحرصهم عليها، وحول الدولة المدنية التي يحبونها ويخافون عليها أيضاً.

الذي يروجون له هنا هو القول بأنه إذا أصبح السيسي رئيساً، فمعنى هذا أن الجيش هو الذي سيحكم مصر، وأنه سيرتبط بهذا حتماً توجه نحو الاستبداد، وتضييق على الحريات الديمقراطية، ومؤسسات المجتمع المدني، وما شابه ذلك من حجج ومزاعم معروفة.

نلاحظ أنه في داخل مصر، يردد المتأمركون من أعضاء اللوبي الأمريكي في مصر من شخصيات وقوى معروفة بالاسم، كالببغاوات تماماً، نفس هذا الكلام الذي يروج له الأمريكيون.

العجيب أنهم في أمريكا والغرب حين يرددون هذه المزاعم عن خوفهم على الديمقراطية والحريات إذا تولى السيسي الرئاسة لا يتنبهون أنهم بهذا الكلام بالذات يعبرون عن احتقار ما بعده احتقار للديمقراطية نفسها، ولإرادة الشعب التي هي جوهر أي ديمقراطية.

هم يتجاهلون أنه إذا قرر السيسي الترشح للرئاسة، وإذا فاز في الانتخابات، فلن يفوز إلا بأصوات الناخبين المصريين، أي بالإرادة الحرة للشعب المصري.

إذا حدث هذا، أليست هذه هي الديمقراطية التي يتحدثون عنها؟.

فبأي وجه حق إذن يريد هؤلاء في أمريكا والغرب، أن يصادروا مسبقاً إرادة الشعب المصري؟. وما الذي يعطيهم أي حق كي يفترضوا مسبقاً أن الشعب المصري سيكون مخطئاً إن هو اختار السيسي رئيساً بإرادته الحرة؟!

أكثر من هذا.. نفترض جدلاً أن الشعب المصري يعرف فعلاً أنه لو تولى السيسي الرئاسة، فسوف تكون هناك ضوابط صارمة على ممارسة الديمقراطية، وعلى عمل وأنشطة منظمات المجتمع المدني.. وهكذا. ونفترض أن هذا هو ما يريده الشعب المصري. بمعنى، أن الشعب يعتقد أن الأولوية الكبرى في مصر في المرحلة القادمة هي للأمن والاستقرار والقضاء على العنف والإرهاب، وليست الأولوية للحرية المنفلتة وديمقراطية الفوضى على النحو الذي تريده امريكا أو غيرها.

لو كان الشعب المصري يفكر على هذا النحو، وسوف يختار السيسي رئيساً على هذا الأساس، أليست هذه إرادة شعبية ديمقراطية يجب احترامها؟ أم ترى أن على الشعب المصري، والشعوب العربية أن تتبنى بالضرورة ديمقراطية الفوضى الأمريكية؟

الذي نريد أن نقوله أن هؤلاء الذين أصابهم مرض "السيسي فوبيا" في أمريكا والغرب كاذبون مضللون وبشكل مفضوح تماماً. هؤلاء لا تعنيهم الديمقراطية في شيء، ولا تعنيهم أي مصلحة للشعب المصري ولا حرياته في شيء. هم يريدون الديمقراطية في مصر وفي كل الدول العربية مجرد (حصان طروادة)، عبره يتم تمرير مخططاتهم، وعبره تأتي ديمقراطيتهم المزعومة بعملائهم الجاهزين لتنفيذ أجنداتهم المشئومة.

وهذا بالضبط هو ما فعلوه حين لعبوا دوراً أساسياً في تمكين الإخوان المسلمين من حكم مصر، وقاتلوا من أجل بقائهم رغم كل فاشيتهم واستبدادهم التي غضوا النظر عنها تماماً باسم الديمقراطية وصناديق الانتخاب.

الأمر ببساطة شديدة أن هؤلاء المصابين بـ"السيسي فوبيا"، مرعوبون أشد الرعب من الشعب المصري وما يمكن أن يفعله مع زعيم وطني مستقل، هؤلاء لا يريدون لمصر أن تقوى وتنهض وأن تعود قوة عربية كبرى تقود الوطن العربي. هؤلاء مرعوبون من أنه إذا أصبح السيسي زعيماً وطنياً مستقلاً لمصر يسعى لبنائها وقوتها، فأن تأثيره لن يقف عند حدود مصر، وإنما سيمتد حتماً إلى باقي الدول العربية.

وهذه هي المسألة، "السيسي فوبيا" وراءها احتقار ما بعده احتقار للديمقراطية ولإرادة الشعب. ووراءها نوايا ومخططات إجرامية تجاه مصر والدول لعربية لم تعد خافية على أحد.

30/1/2014