ما وراء الضجة حول حل (المجلس العلمائي)

السيد زهره

الضجة التي تثيرها (الوفاق) ومراجعها الدينية حالياً حول حكم القضاء بحل (المجلس العلمائي) يجب التوقف عندها مطولاً بكثير من التأمل. هذه الضجة تكشف الكثير، وما هو أبعد بكثير من مجرد رفض أو عدم احترام لحكم قضائي.

نقول مباشرة أن حكم القضاء بحل هذا المجلس، والضجة التي تلت ذلك على نحو ما نتابع يومياً، هما تجسيد لجوهر الصراع في البحرين اليوم.

جوهر الصراع في البحرين اليوم، ليس صراعاً حول خلافات سياسية، ولا حول تصورات أو رؤى مختلفة لإصلاحات سياسية أياً كانت.

جوهر الصراع اليوم يدور حول: دولة القانون والمؤسسات، أم دولة اللاقانون واللا مؤسسات.

جوهر الصراع يدور حول: مشروع الدولة المدنية الوطنية الديمقراطية، أم مشروع الطائفة وحكم الطائفة.

جوهر الصراع يدور حول: احترام الثوابت الوطنية للدولة والمجتمع، أم هدم هذه الثوابت.

هذا هو جوهر الصراع في البحرين اليوم كما كشف عنه الحكم والضجة الرافضة للحكم.. كيف؟

نقطة البدء في مناقشة القضية برمتها تتمثل في هذا السؤال البسيط جداً: هل هذا المجلس كان لوجوده أي شرعية قانونية من الأساس؟

الجواب يعرفه الجميع، وهو: لا. هذا المجلس نشأ من دون أي تصريح أو ترخيص أو سند قانوني. هو إذن كيان خارج عن القانون.

طبعا، الدولة أخطأت خطأ فادحاً حين سمحت بوجود هذا المجلس أصلاً طوال الفترة الماضية. كان من المفروض بمجرد إعلانه رفض هذا الإعلان ومنع هذا المجلس من ممارسة أي عمل أو نشاط.

لكن ليس معنى أن الدولة أخطأت أن هذا رتب "حقاً قانونياً" للمجلس. ليس معنى أن تتراخى الدولة في مواجهة الخروج على القانون في أي شأن، أن هذا يرتب أي حق قانوني.

وليس معنى أن الدولة تأخرت كثيراً في الإقدام على هذه الخطوة، أنها ارتكبت خطأ بما فعلته.

بالمناسبة، لأن هذا المجلس كان كياناً خارجاً عن القانون ولا شرعية لوجوده، كان بمقدور السلطات المسئولة، وبحكم القانون، أن تقدم مباشرة على غلق مقره ومنعه من ممارسة أي عمل أو نشاط، وتجرم من يخالف هذا.

لكن الدولة لجأت إلى أسلوب حضاري، حين قامت وزارة العدل بإحالة الأمر إلى القضاء، الذي أصدر حكمه المعروف.

الأمر الثاني المهم الذي يجب التوقف عنده في أي مناقشة للقضية، أن المسألة لم تكن فقط مسألة كيان خارج عن القانون ولا شرعية له، لكن أن هذا المجلس، كما جاء تفصيلاً في حيثيات الحكم بحله، لعب دوراً سياسياً طائفياً مباشراً في منتهى الخطورة.

هذا المجلس بالبيانات التي دأب على إصدارها والمواقف السياسية التي دأب على التعبير عنها، لعب دوراً خطيراً في تكريس الطائفية في البلاد، وفي تعميق الانقسام في المجتمع.

وأخطر ما في هذا الأمر أن المجلس، بحكم تركيبته الدينية الطائفية، أريد له أن يضفي "قداسة" على مواقف سياسية تحرض على الطائفية والعنف، وعلى قوى تمارس العنف فعلاً، وأن يضفي "حصانة دينية" على هذه المواقف والممارسات.

وإذا تأملنا ردود الفعل والضجة المثارة بعد حل المجلس من جانب (الوفاق) ورجال الدين الذين رفضوا الحكم، سوف نكتشف أنها بحد ذاتها تؤكد الخطورة التي كان يمثلها، وتؤكد ما ذهبنا إليه في بداية المقال عما تكشف عنه هذه الضجة.

وجدنا أولاً محاولة من جانب هؤلاء لإضفاء طابع "القداسة الدينية" على هذا المجلس رغم أنه في جوهره كما ذكرنا كيان سياسي طائفي. ووجدنا تصويراً لهذا المجلس كما لو كان أكبر من الدولة ومن القانون والدستور، ويجب فرضه على الجميع.

ووجدنا احتقاراً ما بعده احتقار من جانب هؤلاء للقانون وللقضاء البحريني.

ومرة أخرى، كأن الإرادة الطائفية التي يمثلها المجلس يجب أن تعلو فوق إرادة القانون والقضاء والدولة كلها والمجتمع بأسره.

ووجدنا اتهامات غريبة يتم توجيهها إلى القضاء وإلى الدولة، اتهامات بأنها، بحل المجلس، تحارب الطائفة الشيعية، بل تحارب الدين والإسلام نفسه.. وما شابه ذلك.

كأن الطائفة الشيعية الكريمة، بل والإسلام نفسه، لا يمكن أن يتعايشا مع دولة القانون والمؤسسات ومفاهيم الدولة المدنية.

في إطار هذا الذي ذكرناه إذن يمكن فهم قضية حل المجلس وردود الفعل على ذلك.

والمأمول أن يكون في هذا درس للدولة. والدرس ببساطة ألا تسمح ابتداء بأي خروج على القانون، وألا تتسامح مع أي قوة - أياً كانت - لها طابع طائفي يقسم المجتمع ويهدد ثوابته الوطنية، وأن تحاسبها، وفقاً للقانون، حماية للمجتمع والدولة.

4/2/2014