الأزمة؟!.. أي أزمة؟!

السيد زهره

في بداية عام 1979، شهدت بريطانيا أزمة طاحنة. شهدت موجة واسعة من الإضرابات، كان أكبرها وأخطرها إضراب سائقي سيارات الشحن. توقفت الحركة في الموانئ وتكدست المنتجات عند أبواب المصانع وفسدت الخضراوات والفواكه في الموانئ. وتوقف نصف مليون عامل عن العمل. وأصيبت البلاد بالشلل تقريباً. هذه الأزمة عرفت بعد ذلك باسم "شتاء الغضب".

في ذلك الوقت، كان جيمس كالاهان رئيساً للوزراء، وكان خارج البلاد في ذروة الأزمة. حين عاد، سأله صحفي في المطار عن رأيه في الاضطرابات التي تشهدها بريطانيا. كالاهان نفى أن تكون هناك اضطرابات، وقلل من شأن الأزمة تماماً، وقال أن الاضرابات ليست جديدة على بريطانيا.. وهكذا.

في اليوم التالي، خرجت صحيفة "صن" البريطانية بمانشيت شهير في ثلاث كلمات "أزمة؟.. أي أزمة؟"، ملخصة موقف كالاهان وساخرة منه.

معروف أن فشل كالاهان وحزب العمال في التعامل مع الأزمة، استغله المحافظون، وفازوا في الانتخابات التي جرت بعد ذلك بأشهر وأصبحت مارغريت تاتشر رئيسة للوزراء.

موقف كالاهان من الأزمة على هذا النحو، أصبح بعد ذلك حالة كلاسيكية يستشهد بها المحللون وعلماء السياسة كمثال لسوء إدراك الأزمات والتعامل معها، وما يترتب على ذلك من نتائج.

ذلك أن أي دولة حين تواجه أزمة، على أي مستوى، يكون لها بالطبع نتائجها وتبعاتها السلبية. غير أن الأزمة لها في نفس الوقت نتائج وفوائد إيجابية كثيرة. والأمر يتوقف على إدراك طبيعة الأزمة وطرق إدارتها والتعامل معها، وعلى مدى القدرة على الاستفادة من دروسها.

من إيجابيات الأزمة أنها تنبه القيادات والمسئولين إلى أوجه القصور في السياسات العامة، وإلى جوانب الإخفاق والفشل في السياسات والأداء العام.

والأزمة، وطريقة التعامل معها، تكشف عن مواطن وعناصر القوة، ومواطن وعناصر الضعف أيضاً، بما ينبه بدوره إلى ضرورة العمل على تعظيم عناصر القوة، وتحجيم وتحييد عناصر الضعف.

ومن المفروض أن تطلق الأزمة الطاقات الإبداعية للقيادات، والساسة، والمثقفين والناشطين وقوى المجتمع المدني عموماً. من المفروض أن تفجر جدلاً عميقاً مبدعاً حول أحوال المجتمع ومستقبله بناء على ما تكشف عنه الأزمة.

وبشكل عام، الأزمة من الممكن أن تكون فرصة فريدة لتصحيح المسيرة وترشيدها وإعادة بنائها على أسس جديدة، وذلك كمحصلة للجدل العام حول دروس الأزمة وكيفية التعلم منها.

الآن، كيف يمكن على ضوء هذا أن نقيم ما جرى في البحرين منذ تفجرت الأزمة قبل ثلاث سنوات حتى اليوم؟

بالطبع، لسنا بحاجة إلى التذكير بأن البحرين شهدت أكبر وأخطر أزمة في تاريخها المعاصر كله. فجأة، وجدت الدولة نفسها، ووجد المجتمع نفسه، أمام محاولة انقلاب طائفي غادرة. فجأة، وجدت البحرين نفسها أمام غول طائفي شرس لم يكن أحد يتصور وجوده بهذا الشكل. فجأة، وجدت البحرين نفسها أمام مؤامرة أجنبية تستهدفها وتستهدف نظامها الوطني وهوية الدولة والمجتمع.

نعلم جميعاً تفاصيل التطورات التي عشناها منذ تفجرت الأزمة حتى اليوم، وكيف أدارتها الدولة، وتعامل معها المجتمع. ونعلم أنه، بحمد الله، تمكنت البحرين من تجاوز أخطر مراحل الأزمة، وأحبطت مؤامرة محاولة الانقلاب الطائفي.

لكن القضية المهمة التي كتبنا عنها وتحدثنا عنها مراراً منذ الشهور الأولى للأزمة، هي أن المجتمع لا بد أن يشهد جدلاً ونقاشاً عاماً أكثر عمقاً وجذرية من مجرد التعامل مع التطورات والأحداث المباشرة.

وكما كتبت أكثر من مرة، كان لا بد أن تطرح أسئلة كبرى جوهرية للجدل والنقاش. أسئلة من قبيل، ما هي أوجه القصور اأو الخطأ في التجربة الديمقراطية في البحرين التي أتاحت المجال لصعود هذه القوى الطائفية الشرسة؟ كيف نفسر عموماً ما اكتشفناه مع الأزمة من تجذر الطائفية في المجتمع على هذا النحو؟ كيف نفسر هذه الهشاشة، بأخف التعبيرات، للروح الوطنية ولقيم الولاء الوطني، لدى قوى في المجتمع؟

هذا الجدل كان لا بد أن يجري، ليس فقط سعياً لفهم اعمق لما جرى، ولكن أساساً كي نتعلم حقاً من دروس الأزمة، وكي نعيد بناء الحياة السياسية وترشيدها بناء على ذلك.

لكن للأسف، مثل هذا الجدل لم يجر حتى اليوم. والذي يتحمل مسئولية ذلك، ليس الدولة، وإنما في الأساس المثقفون وقوى المجتمع المختلفة.

المثقفون، كثيرون منهم هربوا من الساحة أصلاً في ظاهرة غريبة. والكتاب والصحفيون الذين أخذوا على عاتقهم مهمة التصدي للمؤامرة على البلاد، انشغلوا، ولديهم العذر في ذلك، بمتابعة التطورات اليومية الملحة والتعليق عليها وإعلان موقف منها.

ولهذا، الذي حدث في البحرين رغم مرور ثلاث سنوات على محاولة الانقلاب الطائفي هذه، إن لسان الحال العام مازال، بالمعاني التي تحدثنا عنها، هو "الأزمة؟!.. أي أزمة؟!"

8/2/2014