سيناريو يُعيد "المستقبل" إلى السراي بعد 25 أيار؟

طوني عيسى

في الأجواء رائحة "دوحة جديدة". فالصفقة - إذا نجحت - لن تقتصر على الحكومة الموعودة، بل ستشمل بمفاعيلها رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي المقبل.

في الأشهر الفاصلة عن 25 أيار، هناك خيار حاسم. فإمّا تكرار تجربة الدوحة، وإما الذهاب إلى الفراغ الشامل. وما أوحت به الإيجابية المفاجئة التي أظهرها الرئيس سعد الحريري هو وجود ضغط داخلي وإقليمي ودولي، لا يقتصر على إنتاج حكومة، بل يتجاوزها إلى (دوحة جديدة)، أي إلى إنتاج سلّة تسويات متكاملة ومبرمجة زمنياً، وتمتدّ مفاعيلها حتى نهاية 2014، منعاً للوقوع في فراغ غير محسوب العواقب. وتتضمّن التسوية، وفق المتابعين، ما يأتي:

حكومةٌ برئاسة الرئيس تمام سلام تحضِّر للاستحقاق الرئاسي، ثم تمرير الاستحقاق توافقياً، ثم حكومةٌ قد تكون برئاسة تيار "المستقبل" (الحريري أو الرئيس فؤاد السنيورة أو سواهما)، تستمرُّ حتى الانتخابات النيابية في 20 تشرين الثاني 2014. ولأنّ "المستقبل" يكون قد عاد إلى السلطة ممثِّلاً للسنّة، فسيُترَك الخيار مجدداً لحركة "أمل" و"حزب الله" ليستمرّ التمثيل قائماً في رئاسة المجلس النيابي. وعلى الأرجح، سيعود "المستقبل" أيضاً إلى رئاسة الحكومة التي ستلي الانتخابات النيابية في الخريف.

في تجربة الدوحة، عام 2008، كان الشغور في موقع الرئاسة. ولذلك، جاءت سلّة التسويات بترتيب زمني مختلف: الرئاسة ثم الحكومة ثم قانونٌ للانتخاب فانتخابات نيابية.

ويومذاك، كانت دمشق مرتاحة داخلياً. ومع الرياض، كانت تغطي التسويات الإقليمية، ومنها التسويات اللبنانية تحت عنوان (س. س.) وإذا تمّت التسوية اليوم في لبنان، فقد يكون ذلك من علامات عودة النظام السوري إلى لعب بعض الأوراق، بدعم من القطبية الإيرانية الصاعدة.

وكان لافتاً أنّ الضغوط الدولية على المعارضة السورية للمشاركة في مؤتمر "جنيف 2" مع الرئيس بشّار الأسد، بعد الرفض، تزامنت مع ضغوط مماثلة على فريق (14 آذار) للمشاركة في الحكومة مع "حزب الله"، بعد الرفض. والواضح أنّ لا جنيف سيؤدي إلى إخراج الأسد من سوريا، ولا الحكومة الموعودة ستؤدي إلى إخراج "حزب الله" من سوريا.

لكنّ إقرار التسوية الشاملة في لبنان ليس مؤكداً، على رغم الضغوط السعودية والإيرانية والفرنسية والأميركية، لأنها خاضعة لسوق المساومات الإقليمية. فإذا وجد بعض الأطراف أنه خاسر في التسوية المنتظرة، سيلجأ إلى إفشالها (من تحت الطاولة)، ثم يقطف مكاسب الفراغ والفوضى بدءاً من 25 أيار 2014، أي عندما يغادر الرئيس ميشال سليمان قصر بعبدا، ويختلف المتنازعون على صلاحياته وعلى إدارة الحكم.

ومنذ ما قبل الطائف، كان هناك قاسم مشترك بين القوى الدولية هو الحفاظ على الحدّ الأدنى من السلطة المركزية في لبنان، لئلا يسقط تماماً بتأثير من النزاعات الإقليمية. وحتى القوى التي تريد لبنان "صندوق بريد" أو "ساحة صراع" بقيت تراعي الخط الأحمر، أي عدم سقوط السلطة المركزية.

ولكن، في المرحلة الأخيرة، ظهرت ملامح تحدّيات خطرة قد تطيح باستقرار الحدّ الأدنى: أمنياً، انتقال العدوى العراقية - السورية عملياً إلى لبنان من خلال أسلوب التفجير الانتحاري غير المضبوط. وسياسياً، من خلال الاتجاه نحو الفراغ والفوضى الدستورية الشاملة. واقتصادياً، من خلال المؤشرات وأرقام التقارير الدولية المتهاوية، والتي يساهم اللاجئون السوريون في دفعها نزولاً.

ولذلك، قد يَظهر أنّ "تيار المستقبل" وبعض حلفائه استجاب للضغوط التسووية خوفاً من الفراغ أو المجهول أو الفتنة المذهبية، وهو ما فعله دائماً. فيما خصومه يستفيدون من هذا الخوف ليمسكوا بمزيد من الأوراق. فهؤلاء لا يخشون المجهول ولا الفراغ ولا الفتنة، لأنهم يثقون في امتلاكهم أجوبة عن كل الأسئلة سياسياً، وفي أنّ كل شيء "تحت السيطرة" عسكرياً.

واليوم، نسبة النجاح أو الفشل في إقرار سلّة التسويات الجديدة تقارب الـ50- 50%. لكنّ فريق (14 آذار) سيكون متضرراً من التسوية إذا تضمَّنت فجوات يستغلّها خصومه. أما الخصوم فلن يخسروا شيئاً من رصيدهم، سواء تمت التسوية أم لا، لأنهم مدعومون إقليمياً، ولهم برامجهم الجاهزة لكل الحالات: من التسويات "المدروسة" والمغطاة دولياً، إلى الفراغ الذي يبرِّر المؤتمر التأسيسي.

ومرة جديدة، يظهر أنَّ في لبنان طرفين: أحدهما يمارس الفعل ويطوِّع المبادرات لمصلحته، والآخر يمارس ردّات الفعل.. في أحسن الحالات!

"الجمهورية" البيروتية 20/1/2014